الفقه الإسلامي في نظام شامل ينظم علاقة الإنسان بخالقه والعلاقات بين الأفراد والجماعات والدول الإسلامية بغيرها من الدول في السلم والحرب ولهذا قسمه أكثر الفقهاء إلى قسمين رئيسين : عبادات ومعاملات وهذا التقسيم مبناه اختلاف المقصود الأصلي منهما ، فما كان الغرض الأول منه التقرب إلى الله وشكره وابتغاء الثواب في الآخرة فهو من قسم العبادات كالصلاة والصيام والحج والجهاد والزكاة والنذر .وما كان المقصود منه تحقيق مصلحة دنيوية أو تنظيم علاقة فردين أو جماعتين وما شاكل ذلك فهو من القسم الثاني ( المعاملات ) وذلك كالبيع والإجارة والزواج والطلاق وغيرها .
هنالك فرق آخر بين النوعين متفرع عن الفرق السابق ، وهو أن الأصل في العبادات أن العقل لا يستطيع إدراك السر الحقيقي لتشريعها تفصيلا ويعبر العلماء عن ذلك بأنها توفيقية أي لا يمكن إدراك الغاية القصوى فيها سوى أنها عبادة لله تعالى .وأما المعاملات فالأصل فيها أنها معقولة المعنى ويدرك العقل كثيرا من أسرارها ولذلك نرى العقلاء في زمن الفترات استعملوا عقولهم في تشريعها، ولما جاء الإسلام أقر مما كانوا يتعاملون به أمورا غير قليلة .والفقهاء لم يذهبوا طويلا في طريق الفصل بين هذه المجموعات - كما فعل رجال القانون -لانعدام الفائدة المترتبة على هذا الفصل في نظرهم حيث لم تكن هناك إجراءات مختلفة في إثبات الحقوق،فالقضاء موحد ، والإجراءات تكاد تكون واحدة ، والقاضي يحكم في كل نزاع يرفع إليه ،
فرق في ذلك بين ما يتعلق بالأموال وما يتعلق بغيرها . ومع هذا فإننا نجد الفقه الإسلامي شامل لجميع فروع القانون الوضعي الحديث العام منه والخاص . فالقانون العام الخارجي – وهو المسمى بالقانون الدولي العام – بحثه الفقهاء في المسائل المتعلقة بالحروب وأساليبها وأهدافها ونتائجها ، وعلاقة الأمة الإسلامية بغيرها . وهي مجموعة تحت عنوان السير والمغازي وجميع كتب الفقه في المذاهب المختلفة عرضت هذا النوع عرضا وافيا ،كما أن الفقهاء ألفوا فيه تآليف خاصة ككتابي السير الصغير والكبير لمحمد بن الحسن الشيباني وغيره .والقانون العام الداخلي بأنواعه الأربعة: الدستوري والإداري والمالي والجنائي بحثه الفقهاء ما بين موسع ومضيق .
فالجنائي مجموع في أبواب خاصة من كتب الفقه تحت عنوان ( الجنايات والحدود والتعزيرات ). والقانون المالي بحثه الفقهاء في مواضيع متفرقة من كتب الفقه العامة عند الكلام عن الزكاة والعشر والخراج والجزية والركاز وغيرها من الكتب خاصة ككتاب الخراج لأبي يوسف قاضي القضاة في عهد الخليفة هارون الرشيد وهذا النوع بوجه عام يبحث في تنظيم بيت المال (خزانة الدولة ) ببيان موارده والأموال التي توضع فيه،والوجوه التي تصرف فيها هذه الأموال. أما القانون الدستوري الذي يحدد شكل الحكم في الدولة وبين السلطات العامة فيها ويوزع الاختصاصات بينها،والقانون الإداري وهي مجموعة القواعد التي تحكم نشاط السلطة التنفيزية في أداء وظيفتها وقيامها على أمر المرافق العامة، فلم ترض لها كتب الفقه بهذا العنوان وإنما عرضت لها بعنوان السياسة الشرعية أو الأحكام السلطانية وفيها كتب خاصة مثل كتاب الأحكام السلطانية للما وردي (450هـ ) وغيره . والقانون الخاص بفروعه : القانون المدني المنظم للأحوال المدنية هو قسم من المعاملات في الفقه الإسلامي التي تنظم الأحوال كلها عينية كانت أو شخصية والقانون التجاري بحث الفقهاء منه ما كانوا يحتاجون إليه في زمنهم في أبواب الشركات والمضاربة والتفليس ، ثم جعلوا العرف حكما فيما يجد فيها لأن التجارة حينذاك لم تكن تشعبت وتعقدت صورها كما هي عليه الآن بل كانت سهلة يسيرة .
وأخيرا نجد قانون المرافعات وهي مجموعة القواعد التي تبين ما يجب اتخاذه من أعمال وإجراءات لتطبيق أحكام القانون المدني والتجاري هذا القانون بحث الفقهاء أحكامه في أبواب الدعوى والقضاء والشهادة . وهكذا نجد الفقه الإسلامي يحكم كل التصرفات الفردية والجماعية والدولية ولم يتناول الفقه تفصيلا فقد تناوله إجمالا ويمكن أن تبين تفاصيله على ضوء قواعده العامة وأصوله المرنة