ومما وقع أيضا : قصته صلى الله عليه وسلم معهم - لما قرأ سورة النجم بحضرتهم - فلما وصل إلى قوله : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان في تلاوته : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى . وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، ففرحوا بذلك فرحا شديدا ، وتلقاها الصغير والكبير منهم ، وقالوا كلاما معناه : هذا الذي نريد ، نحن نقر أن الله هو الخالق الرازق ، المدبر للأمور ، ولكن نريد شفاعتها عنده . فإذا أقر بذلك فليس بيننا وبينه أي خلاف .
واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ، فلما بلغ السجدة سجد وسجدوا معه . وشاع الخبر : أنهم صافوه ، حتى إن الخبر وصل إلى الصحابة الذين بالحبشة ، فركبوا بالبحر راجعين لظنهم أن ذلك صدق . فلما ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم : خاف أن يكون قاله . فخاف من الله خوفا عظيما ، حتى أنزل الله عليه : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته إلى قوله عذاب يوم عقيم .
- ص 36 - فمن عرف هذه القصة وعرف ما عليه المشركون اليوم وما قاله ويقوله علماؤهم ، ولم يميز بين الإسلام الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين دين قريش الذي أرسل الله رسوله ينذرهم عنه ، وهو الشرك الأكبر : فأبعده الله . فإن هذه القصة في غاية الوضوح ، إلا من طبع الله على قلبه وسمعه . وجعل على بصره غشاوة ، فذلك لا حيلة فيه ، ولو كان من أفهم الناس ، كما قال الله تعالى في أهل الفهم الذين لم يوفقوا : ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء الآية .